الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

بين حق الكلام وحق التنصت



ما مدى مشروعية النظام الجديد الذي تقوم به هيئة تنظيم الاتصالات حالياً والذي من شأنه أن يسمح لأجهزة الأمن بالتنصت على مكالمات وإيميلات المواطنين؟وهل يحق لهذه الهيئة إقرار مثل هذا القرار الخطير والذي من شأنه أن يكبل حريات المواطنين، ويضعهم تحت الرقابة الدائمة من دون العودة إلى البرلمان بغرفتيه لمناقشته والخروج بنظام يضمن حقوق المواطنين ولا يتعدى أو يتعرض لحياتهم الشخصية؟ألا يحتاج مثل هذا القرار مشروعاً بقانون تتقدم به السلطة التنفيذية ويمر عبر السلطة التشريعية لضبط العملية وتقنينها وفق أطر محددة وبصلاحيات واضحة وبعد سلسلة مبررات قانونية وقرارات قضائية تحد من العبث مع المواطنين ومراقبتهم في كل واردة وشاردة؟تعتبر وسائل الاتصال المتطورة من أهم الاختراعات العالمية التي أدت لجعل العالم قرية صغيرة يتواصل فيها القاصي والداني ومن أقصى الغرب إلى أدنى الشرق خلال ثوانٍ وبضغطة زر، وبالتالي فإن حرية الكلام والحوار أصبحت أمراً محتوماً، إلا أنها تضيق وبصيص النور يتقلص، والسبب قرارات التنصت على المكالمات.الحجج التي سيتذرع بها المسئولون المدافعون عن قرار التنصت معروفة ومحسومة وستوضع ضمن برامج وخطط المعركة ضد الإرهاب والجريمة والخروج على القانون. أضف إلى ذلك جماعات الناشطين في مجال حقوق الإنسان الذين باتوا يفضحون الممارسات والسياسات غير القانونية التي يتصرف بها بعض المسئولين وتصرفاتها، وغيرهم من النشطاء السياسيين الذين باتت تحركاتهم ونشاطاتهم تقلق أولئك المسئولون.إلا أن الحَكَم في مثل هذه الأمور هو دستور البلاد الذي كفل للمواطن حقوقه وحرياته، ومنها على سبيل المثال المادة الرابعة من الدستور والتي نصت على أن «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، كما نصت المادة (19) على أن الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون، ولا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء».وقطعت المادة (31) من الدستور بشكل جازم الباب أمام هيئة تنظيم الاتصالات التي تضع نظاماً يسمح بالتنصت على مكالمات المواطنين والتي قد تحد من حرياتهم من دون الحاجة لقانون كما تدعي وتقول، إذ نصت على أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».وبالتالي فإن الكلام حق للمواطن، ولا يمكن تحديده أو التنصت عليه إلا بقانون، وما ستقوم به هيئة تنظيم الاتصالات مخالف لنص الدستور صراحة.المواطن بالنظام الجديد فقد الحرية في الكلام، وفقد الطمأنينة التي كفلها الدستور له، إذ سيبقى قلقاً خلال مكالماته، خوفاً من تسجيلها ومراقبتها وفضحها حتى وإن كانت في الأمور العادية.الحق الذي تسعى الدولة لإعطائه نفسها بالتنصت على المواطنين سيضيع حق الحرية والتعبير للمواطنين، وسيسيء لذلك الدستور الذي يبدو أنه لن يستطيع أن يحافظ على حق مواطن في أن يتحدث بحرية دون أن يكون هناك من يختلس السمع وراءه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق