عندما يفند أوباما والتقارير الدولية أكاذيب المضللين
بقلم : سيد يوسف المحافظة خرج مؤمناً بقضيته، كاسراً الحصار المفروض حول منطقة "ميدان لؤلؤة الشهداء" مواجهاً الدبابات بصدرٍ عارٍ وعزيمة منقطعة النظير، متمسكاً بحقه في التظاهر السلمي الذي تكفله له المواثيق والمعاهدات الدولية. ولكنه قوبل برصاصات الجيش البحريني فاخترقت إحداهن رأسه وأردته قتيلاً. هذا البطل هو الشهيد "عبدالرضا بو حميد" والذي احتفلت عائلته قبل أيام بذكرى مولده فاحتضن أيتامه الثلاثة وأرملته قبره وقضوا الوقت وهم يستذكرون بطولته ومواقفه الشجاعة.
الشهيد بو حميد كان مشاركاً في الثورة الشعبية المطلبية التي انطلقت في الرابع عشر من فبراير وضمت غالبية سكان البحرين. هذه الثورة التي انطلقت بدعوات شبابية وحملت مطالب حقوقية وسياسية كان موجها العاتي ممتزج فكان فيها أطباء ومدونين، ونشطاء حقوقيين ونقابيين وعمال، وأدباء ومدرسين إضافة إلى الرياضيين. خرجوا جميعاً لينادوا بحقوقٍ مسلوبة، حقهم في الحرية والمواطنة، حقوقهم السياسية والمدنية التي كفلتها لهم المواثيق الدولية التي صادقت عليها البحرين.
ولم يكن باقي أفراد الشعب أفضل حالاً من عبدالرضا بو حميد، فقد قوبلت مطالبهم السلمية وأكفهم التي تحمل الرياحين بالقمع والرصاص، وجهوا بحملة تخوين منظمة واسعة. فاستشهد 30 شخصاً برصاص الجيش والشرطة، وأربعة منهم قضوا نحبهم في زنازين الجلادين وتحت وطأة التعذيب شموع غابت ليحل محلها الظلام الدامس، كما جرح آلاف المواطنين واعتقل الرجال والنساء والأطفال حتى فاق عددهم الألف معتقل في غضون شهرين (أي بمعدل 17 معتقل يومياً). كما طال القمع حتى العاملين ففصلوا من أعمالهم وعرضوا على لجان التحقيق الكريهة لتحرمهما من لقمة عيشهم، وحرم مئات الطلبة من حقهم في التعليم والانتظام على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات وسحبت بعثات المتفوقين. عاودت الآلة العسكرية ووجهة فوهاتها نحو المقدسات، ولعل أكثر ما أثار الجراح وعمقها هو قيام قوات الجيش البحريني والسعودي بحرق نسخ القرآن الكريم وهدم مساجد الشيعة في تعدي أقل ما يمكن وصفه بأنه انتهاك صارخ لحرية ممارسة الدين والمعتقد.
ولم يكن غريباً على حكومة قامت بجميع ما ذكر من الانتهاكات أن تسّخر جهازها الإعلامي لضرب هذه الحركة المطلبية وتشويه صورتها بنعتها بالإرهاب ساعة وتنفيذ أجندات خارجية ساعة أخرى. وقد تجاهل الإعلام الرسمي هذه الحركة في بداية الأمر وانغمس في عرض الأغاني الوطنية وأغاني الولاء في الوقت الذي كان يقتل فيه أبناء الشعب برصاص الجيش في الشوارع. وبعد شهر انقلب الأمر وبدأ التلفزيون البحريني يلعب دور القاضي الذي يحاكم كل "خائن" على حد قوله ممن شارك في هذه الحركة أو دعمها بشكل مباشر أو غير مباشر. منكراً ومكذباً كل التقارير والبيانات التي تصدر من المنظمات الحقوقية العالمية التي تثبت الانتهاكات التي يتعرض لها شعب البحرين على يد الجيش البحريني والسعودي وواصفاً هذه الجمعيات وهذا التعاطف الإعلامي الخارجي بالتآمر ضناً منهم بأن إعلامهم يستطيع طمس الحقيقة وخداع المجتمع الدولي المتقدم و المتعاطف مع ثورة شعب البحرين المطلبية.
وجاء خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي انتقد فيه حملة الاعتقالات التعسفية لرموز المعارضة والمتظاهرين السلميين أضافة إلى هدم مساجد الشيعة، الخطاب الذي كان بمثابة صفعة كبيرة للمضللين والمطبلين للنظام والذين ظنوا بأنهم نجحوا في تضليل الرأي العام العالمي بتكذيبهم للشعب والمنظمات والإعلام العالمي متناسين أننا في زمن التكنولوجيا والصحافة الالكترونية .. زمن الفيس بوك والتويتر .. فالأنظمة العالمية تعيش الزمن المتقدم لا الزمن الحجري الذي تعيشه حكوماتنا العربية الموقرة.
هذا وكانت مجموعة من البيانات الصادرة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إضافة إلى العديد من الدول الأوروبية والمنظمات الدولية قد سبقت خطاب أوباما. رافقتها حملة استنكار واسعة قادتها أكبر الصحف في العالم التي كان من ثمارها الإعلان عن زيارة موفدين من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق والتأكد من حقيقة ما يدور في البحرين. ولم تتورع الحكومة عن إرسال وفود لتلميع صورتها التي انكشفت بتعاطف حلفائهم مع مطالب الثوار دون النظر للمصالح المشتركة التي تجمعهم بالبحرين.
في اعتقادي .. كان الأجدر بالنظام أن يحترم حقوق المواطنين ويلتزم بالتعهدات الدولية التي صادق عليها ويتوقف عن قتل الأبرياء والتنكيل بل ويفتح خطاً جاداً للحوار مع المعارضة والثوار بدلاً من صرف هذه المبالغة الطائلة والطاقات لتلميع صورته المشوهة.
وبقت أسرة الشهيد عبد الرضا حميد تخلد ذكراه وتحتفل بميلاده، ليبقى شمعة خالدة تنير تاريخ البحرين وتغذي عنفوان الثورة من أجل الحقوق والحرية والكرامة.